اعصار شاهين
اعصار شاهين
شهدت الدولة الخليجية، خلال الفترة الممتدة من 2002 إلى 2021، 6 أعاصير تركت تأثيراً مباشراً على السواحل العمانية، كان آخرها إعصار «شاهين» الذي ضرب سواحل محافظة الباطنة العُمانية، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتسبب في خسائر بشرية (حوالي 12 وفاة)، ومادية ما بين تضرر للطرق والبنية التحتية، وانقطاع خطوط الاتصالات ..
اضرار اعصار شاهين
وقد خلف إعصار شاهين الكثير من الأضرار، في السلطنة، على البنى التحتية والمساحات الزراعية والمنازل، وخاصة منطقة ساحل بحر عمان في ولايات شمال وجنوب محافظة الباطنة، خاصة السويق والخابورة والمصنعة
ليس من المبالغة في شيء القول: إن أيام الأسبوع الماضي، الذي شهد مرور الحالة المدارية «شاهين» بالأراضي العمانية يومي الثالث والرابع من الشهر الجاري، كانت أياما صعبة وشديدة الوطأة على أبناء هذه الأرض الطيبة، مواطنين ومقيمين، ومع ذلك دهش كثيرون من حالة الثبات ورباطة الجأش في مواجهة واحد من أقوى الأعاصير التي مرت على الأراضي العمانية خلال العقدين الأخيرين.
فبالرغم مما خلفته الرياح العاتية، والأمطار شديدة الغزارة، التي استمرت على مدار الساعة لحوالي يومين متصلين في كثير من المناطق، ولأقل من ذلك قليلا في معظم المحافظات التي تعرضت للحالة المدارية «شاهين» في محافظات شمال الشرقية، ومسقط وشمال الباطنة وجنوب الباطنة والظاهرة ومسندم، من أضرار بشرية ومادية، إلا أن المواطن العماني ظل قويا، متماسكا، وعمل، ولا يزال يعمل، بصبر وتفانٍ من أجل التغلب على الآثار العديدة لهذه الحالة المدارية الشديدة.
وإذا كانت المحن والشدائد تكشف عن معادن الرجال، فإنها تكشف أيضا عن معادن الشعوب وتصقلها وتزيد من تماسكها وقوة احتمالها عندما تتوفر لها الخصائص الأساسية، لذلك، فإن الهدوء والعمل الجاد والمتواصل دون ضجيج، في كل المواقع وعلى كافة المستويات، والمتابعة المستمرة وعلى مدار الساعة من جانب حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- والتوجيهات السامية المبكرة والسديدة بتشكيل لجنة لتقييم الأضرار وصرف التعويضات العاجلة، والإسراع في جهود إعادة الأوضاع إلى طبيعتها في أسرع وقت ممكن، وحشد جهود مختلف مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأهلية، وعملها جميعها على قلب رجل واحد، لم يكن جديدا، ولا مفاجئا لمن يعرفون جوهر الشعب العماني، أو عاشوا على أرضه وخبروا الحياة بين أبنائه، فمن فوجئوا، ومن اندهشوا هم فقط من لم يعايشوا الحياة العمانية، ومن لم يعرفوا عمق حب المواطن العماني لأرضه ووطنه، ومدى استعداده للتضحية من أجلها ومن أجل الحفاظ عليها آمنة وزاهرة ومتقدمة في جميع المجالات.
وبالرغم من حدوث الكثير من القصص والحالات الإنسانية، الصعبة والمثيرة في جانب أو آخر من جوانبها الإنسانية، وهو أمر طبيعي في مثل هذه الحالات التي يواجه فيها الإنسان جبروت الطبيعة، بعنفوانها وقوتها الكاسحة، إلا أن المجتمع العماني ظل كعادته قويا وواثقا من قدرته على التعامل مع كل جوانب الموقف ومستجداته، ليس بشكل عشوائي، ولكن بشكل منظم ومدروس، ومسؤولية ترتفع إلى مستوى الأحداث، بكل ما يقتضيه ذلك من جهد وتضحية وتفان كبير. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى بعض الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:
أولا: أنه بات من المعروف أن السلطنة وبحكم موقعها الجغرافي ، وإطلال سواحلها الشرقية والجنوبية الشرقية على بحر عمان وبحر العرب المتصلين بالمحيط الهندي، فإنها تتعرض للكثير من العواصف المدارية والأعاصير والأنواء المناخية التي تتكون بفعل العوامل الجوية والتغيرات المناخية، في المساحات المائية المحيطة بها، المحيط الهندي وبحر العرب وبحر عمان، وهى ظواهر طبيعية تحدث وتتكرر، وفقا لبعض الدراسات، في شهري مايو ويونيو، وشهري سبتمبر وأكتوبر من كل عام.
وفي ظل تعرض السلطنة لمثل هذه الأنواء الطبيعية، منذ أكثر من قرن ونصف القرن، فإنها أصبحت ظواهر مألوفة بالنسبة للشعب العماني، وأنه لا مناص من التعايش معها، والتعامل مع ما تخلفه، أو ما قد تخلفه من أضرار، وفقا لكل حالة على حدة.
وفي هذا الإطار فإنه ليس مصادفة أن تهتم القيادة والحكومة العمانية بإنشاء عدد من المراكز المتخصصة منها مركز الأمن البحري، والمركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة، «الذي يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسية للتحذيرات المبكرة، وهي نظام تحذير مبكر من تسونامي، ونظام الإنذار المبكر بالأعاصير المدارية، ودليل الفيضانات والسيول» وتوفير أفضل الإمكانات البشرية المدربة والأجهزة والمعدات اللازمة لقيامها بمهامها، مع العناية بالتنسيق مع المراكز الإقليمية والدولية المعنية بالتحذيرات المبكرة من الأنواء المناخية، خاصة في منطقة المحيط الهندي وجنوب آسيا، هذا فضلا عن المتابعة اليقظة والمتواصلة لأية تغيرات أو ظواهر مناخية، أو أنواء تتكون في البحار المحيطة بالسلطنة، ومتابعة خرائطها واتجاهاتها ومدى اقترابها من الأراضي العمانية. وهو ما يوفر للسلطنة قدرة على المتابعة الدائمة للتطورات المناخية حولها، ويمنحها مساحة من الوقت تمكنها عمليا في كثير من الأحيان، من الاستعداد واتخاذ ما يلزم من إجراءات استعدادا لوصول تلك الأنواء المناخية إلى إقليمها.
وبالنظر إلى أن الأنواء المناخية المختلفة، بأنواعها ومخاطرها المتعددة، هي ظواهر تمس الوطن ككل في النهاية، أرضا وشعبا وبنية أساسية وخدمات وغيرها، فإن القيادة العمانية، حرصت في ظل السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- على التعامل بمنطق كلي أيضا مع هذه الأنواء والآثار المترتبة عليها، بمعنى التعامل معها بكل إمكانات الدولة المتاحة والمتوفرة، مدنية كانت أو عسكرية أو شرطية أو أمنية أو إعلامية أو غيرها، لأن هذا الأسلوب المتكامل هو الأسلوب المناسب في التعامل مع ظواهر من غير الممكن التحكم فيها، ولا التنبؤ الدقيق بكل ما يمكن أن يترتب عليها من أضرار . صحيح أن التنبؤات الجوية يمكنها تحديد اتجاهات وسرعة العواصف والأعاصير، ووقت مرورها باليابسة، ومواضع دخولها إلى الأراضي العمانية ولو بشكل تقريبي، ولكن الأمر يظل في النهاية مرهونا بتفاعلات العوامل الجوية المحيطة والمرتبطة بهذه الأنواء التي تؤثر في مساراتها، وتطورها وشدتها في كثير من الأحيان، فتشتد، أو تضمحل، أو تخف حدتها أو تتلاشى. ومن هنا توفرت للدولة العمانية على مدى السنوات الماضية آليات محددة ومتكاملة إلى حد كبير في التعامل مع هذه الأنواء المناخية، وباتت هناك خبرات عمانية عملية كبيرة ومتنوعة في هذا المجال إلى حد أثبت قدرته وكفاءته في التعامل مع الأنواء المختلفة التي تتعرض لها السلطنة.
ثانيا : أنه ليس من المبالغة في شيء القول إن الأنواء المناخية التي تعرضت لها السلطنة عام 2007 (إعصار جونو في أوائل يونيو 2007) كانت نقطة تحول في تعامل السلطنة واستعداداتها وخططها للتعامل مع الأنواء المناخية بوجه عام، وذلك من واقع أن تلك الأنواء المناخية قد تركزت في مجملها في محافظة مسقط وامتدت إلى بعض محافظات الشرقية و الباطنة وصولا إلى محافظة مسندم، وأن الأضرار المادية والبشرية لها كانت كبيرة إلى حد كبير خاصة في مسقط . وفي أعقابها تمت بالفعل دراسة كل الجوانب المتصلة والأضرار التي أحدثتها تلك الأنواء، وتحديد عوامل الضعف في مشروعات البنية الأساسية ومشروعات الخدمات التي تضررت، بما في ذلك الطرق وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات، ومواقع تخزين الإمدادات الغذائية واللوجستية الضرورية، وكذلك الطرق البديلة لتعزيز شبكة الطرق، ومواقع إمدادات المياه، وحتى آبار المياه البديلة وتوفيرها من أجل استخدامها عند الضرورة، وفي الحالات الطارئة، وكذلك سبل ووسائل التعاون والتنسيق بين مؤسسات الدولة المعنية بتوفير الإمدادات والمواد الغذائية والمياه ووسائل الإعاشة في أوقات الأنواء المناخية، وبالفعل تم وضع البرامج والخطط اللازمة في هذا المجال ، على مدى الأعوام الأربعة عشر الماضية تم تنفيذ الكثير في هذا المجال، وهو ما وفر للسلطنة خبرة عملية مدروسة وعلى درجة عالية من الكفاءة ، ساعدت وتساعد بالفعل في التخفيف من الأضرار التي تخلفها الأنواء المناخية بدرجاتها وأنواعها المختلفة وسرعة التغلب عليها . وقد حدث ذلك في التعامل مع الإعصار «فيت» عام 2010 ، ومع الأنواء المناخية التي تلته حتى الآن.
جدير بالذكر أنه في الوقت الذي أظهرت فيه أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة، وزارات ومؤسسات وجهات معنية بالتعامل مع الأنواء المناخية، وكذلك قوات السلطان المسلحة بأفرعها المختلفة، ولا سيما سلاح الجو السلطاني العماني والبحرية السلطانية العمانية والخدمات الهندسية بوزارة الدفاع، وشرطة عمان السلطانية وغيرها؛ قدرة وكفاءة كبيرة في التعامل مع ما خلفته الحالة المدارية «شاهين» من أضرار، فإنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن وسائل الإعلام العمانية، التي نأت بنفسها عن التهويل أو إثارة القلق لدى المواطن والمقيم، مع الحرص على التغطية الكاملة لكل التطورات، وتكثيف الحملة الإعلامية للتوعية وتنوير المواطنين والمقيمين بمخاطر الحالة المدارية وما ينبغي اتخاذه من إجراءات من جانبهم، حرصت على تقديم صورة متكاملة إلى أقصى حد ممكن للحالة والواقع في مختلف المواقع التي أمكن لمراسلي وسائل الإعلام العمانية الوصول إليها . ولعله ينبغي الإشارة إلى أن الحالة المدارية «شاهين» بدت في بعض جوانبها أكثر ضررا من الحالة في عام 2007 لسبب بسيط هو أن المناطق المتضررة من الحالة المدارية «شاهين» تركزت في محافظتي شمال الباطنة وجنوبها، وما تضمه من مساحات زراعية شاسعة وممتدة غمرتها المياه، ومن قرى عديدة امتدت إليها مياه الأودية ودخلت الكثير من بيوت ومزارع المواطنين فيها.
ثالثا : أنه إذا كانت حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- تقوم بدورها وتنفذ توجيهات جلالته بتعويض المتضررين ودراسة حالاتهم والعمل على إعادة الخدمات المختلفة بأسرع وقت ممكن ، وإعادة فتح الطرق المتضررة وإنشاء طرق بديلة إن أمكن في بعض المناطق ، وهو ما تم ويتم الكثير منه ، سواء من خلال اللجنة المالية المتفرعة عن اللجنة الوزارية التي أمر جلالته بتشكيلها، أو من خلال الوزارات المختلفة المعنية بذلك، فإنه من المؤكد أن مهمة مواجهة الأضرار وتجاوزها لا تقتصر على الحكومة والأجهزة الحكومية فقط، ولكنها تمتد بالضرورة إلى المواطن العماني والمقيم. و قد يقول قائل إن المواطن والمقيم تعرضا للأضرار وإن البعض خسر الكثير من ممتلكاته، المتمثلة في أضرار أصابت المنازل ، وفقدان وتضرر للسيارات ، ورؤوس المواشي والأغنام ، وتلف المزارع التي غمرتها المياه، وغير ذلك، ومع وضع ذلك كله في الاعتبار فإن التخفيف من الأضرار يبدأ عادة قبل حدوث الأنواء المناخية ، أي في مرحلة انتظارها واقترابها من اليابسة ، وهذه المرحلة تتطلب الكثير من الاستعدادات الوقائية المتمثلة في مغادرة المناطق المنخفضة، أو تلك التي قد يمر بها عين الإعصار، واللجوء إلى مواقع الإيواء التي توفرها الدولة ، ونقل السيارات والحيوانات إلى مناطق آمنة بشكل أكثر، والعمل على حماية المنازل بقدر الإمكان من خلال العناية بالنوافذ والأبواب والفتحات المختلفة التي قد تتسرب منها المياه، وإذا كان ذلك كله يتطلب وعيا وإدراكا من جانب المواطن والمقيم للأضرار التي يمكن أن يتعرض لها ، فإنه يتطلب أيضا استجابة كبيرة وكافية من جانبه للمناشدات التي تصدرها الدولة والتحذيرات التي تصدر عن أجهزة الإعلام المختلفة، ومن ثم فإن المواطن شريك بالضرورة في عمليات التخفيف من الأضرار، سواء بالأعمال الوقائية السابق الإشارة إليها ، أو بمد يد العون لأجهزة الدولة في جهودها لتخفيف الأضرار المختلفة بعد حدوث الأنواء المناخية. وهنا بالتحديد ينبغي الإشارة إلى أن الشعب العماني كشف كعادته عن أصالته ، وعن تماسكه وتعاضد وتكاتف أبنائه في مواجهة أضرار الأنواء المناخية «شاهين» وهناك الكثير من النماذج الطيبة والمضيئة للمساهمات التطوعية التي قامت وتقوم بها العديد من شركات ومؤسسات القطاع الخاص وجمعيات المجتمع المدني ومنها على سبيل المثال جمعية الصحفيين العمانية وغرفة تجارة وصناعة عمان وغيرها حيث بلغ عدد المتطوعين إلى نحو خمسة عشر ألف متطوع لدعم جهود الحكومة في التغلب على آثار الحالة المدارية «شاهين». وإذا كانت هذه الحالة من الترابط والتكافل المجتمعي تعبر عن قوة وتماسك أبناء الشعب العماني وصلابتهم في مواجهة كل التحديات ، ومنها الأنواء المناخية، فإنه من المعروف أن هذه هي الحالة العادية والطبيعية بين أبناء عمان، وأنها تجسدت من قبل في مواجهة «جونو» و «فيت» وغيرها من الأنواء المناخية، وبدون ضجة ولا ضجيج فالتكافل والتعاضد لا يحتاج إلى دعاية ولا إلى صور يتم نشرها على الفيس بوك وتويتر، وكما نجح العمانيون بترابطهم قيادة وشعبا من قبل فإنهم ينجحون اليوم أيضا في تجاوز «شاهين» بكل أضراره، ولعل ما حدث يوجه الانتباه إلى جوانب ينبغي العناية والاهتمام بها في عمليات التخطيط العمراني وتخطيط المرافق والمواصفات القياسية للطرق، ليس فقط في محافظتي شمال وجنوب الباطنة ، ولكن في مختلف محافظات السلطنة من أجل أن تكون أكثر قدرة على مواجهة أية أنواء، ولعل المواطنين والمقيمين يكونون أكثر استجابة للتحذيرات الإعلامية وللإجراءات التي يطلب منهم القيام بها كإجراءات وقائية للحد من أضرار الحالة المدارية ، بما في ذلك مغادرة منازلهم عند الضرورة. حمى الله عمان قيادة وشعبا وجنبها كل مكروه إنه
عمل الطالبات /بدور علي البلوشيه ""الزهراء جمعه الصالحي
الصف /ثامن .4
تعليقات
إرسال تعليق